الاثنين، 26 ديسمبر 2011

ميزانية ضخمة ولكن!




قد تبدو أرقام الميزانية للوهلة الأولى مهيبة، بل ويصعب على البعض قراءتها لورودها عليه لأول مرة، لكن لو تم مقارنتها مع ثروة "إنسان ما" رحمه الله لوجدناها جدا أقل من عادية، كونه "شخص" وثروته تساوي الى حد ما ميزانية "الدولة" برمتها.


توزيع الميزانية كان عادلا جزئياً، لكن المهم والأهم دائما: من ستذهب لجيبة هذه المرة؟ المشاريع نسمع عنها، ولم نشاهدها على أرض الواقع!!. رقم هائل للميزانية، ولكن كما قيل: المال السائب يعلم السرقة.


إذا تم صرف هذه الأموال فيما وجهت له، لكفت ووفت ولعشنا مع المشاريع والخدمات التي نسمع عنها عيشا هنيئا. لست مع زيادة الرواتب أو بدل السكن، لأن لنا في الماضي تاريخاً يجب أن نتعلم منه، لقد علمنا بأن الأسعار ستزيد عما عليه الان وبدون أسباب، الا لعدم وجود رقيب أو حسيب.


هيئة مكافحة الفساد، كثرت خطوطها الحمراء التي لا تستطيع أن تتخطاها عوضا عن كثرة أوراق الفساد التي غصت بها الهيئة. أكبر تحدٍ يواجه السعودية هذه الأيام هو الفساد. والخوف بدأ يتزايد يوما بعد يوم من ثورة شعب يشكو الظلم والفساد الظاهر للعيان، دون معاقبة الجناة، بالاضافة الى أن أكثر من 22% من سكانه التريليون ريال يعيشون تحت خط الفقر!!!!!. 
يا رب لطفك.

الخميس، 15 ديسمبر 2011

الفيفادول الإداري ... لجنة تقصي الحقائق



في مجتمعنا بدأ يتشكل جليا بأن المعنى المناسب للكلمة فيفادول هي "لجنة". وعليك القياس، فكما أن هناك فيفادول لنزلات البرد وتسكين الألم والصداع ... الخ، فإن الإداريين يستخدمونه في عملهم الإداري كثيرا. فلو استخدمنا هذا المعنى "فيفادول" لكانت هذه بعض النتائج: فيفادول تقصي الحقائق، فيفادول تحقيق، فيفادول دراسة جدوى، وفيفادول الخبراء.

فقط في مجتمعنا الإداري "بعد" حلول المصائب، الكوارث، الحرائق، الوفيات، الإحراجات، الفضائح وانكشاف المستور، إهانة المسئولين للمواطنين، ظهور الأدلة والبراهين للعامة... فإن الحل الأمثل والأسرع على الإطلاق هو "تشكيل لجنة"، ولجنة منبثقة، ولجنة فرعية، ولجنة لتحديد أعضاء اللجنة، ولجنة لدراسة رأي اللجنة، ولجنة... ولجنة... ولجنة... لجان يتم تشكيلها لكسب بدلات الانتداب وخارج دوام و... لكن كما قيل: أسمع قعقعة ولا أرى طحن. فأين تقارير تلك اللجان؟ أين أدلتها وبراهينها ومسببات القضية قبل أن نعرف رأي اللجنة؟

عندما يُقتل إنسان بسبب خطأ طبي، فالحل هو "تشكيل لجنة". وكأن جثة المقتول ليست خير الأدلة والبراهين على الجريمة. ثم يأتي رأي اللجنة – هذا إن صدر رأيها – بأن المقتول أبكم!! – لأنه لم يتحدث مع هذه اللجنة التي جاءت لتسمع من كافة الأطراف- وقد غص بشهقة أثناء العملية ومات!!. والخلاصة إرسال ورقة لذوية معنونة بـ: "أحر" التعازي، وما علموا بأن ذوي المقتول ماتوا "حرارة وحرقة" من ذلك السفاح صاحب المشرط!!

مواطن يطالب بحقوقه المشروعة منذ سنين، مرت عليه سمانها وعجافها، وطال انتظارها، فكانت "توكل على الله" بلغة الإهانة تلبية لتلك المطالب. وأمام الملأ، ومشاهدة الألوف المؤلفة من خلق الله خلف الشاشات لتلك الفيديوهات. ثم يأتي دور المسكن الإداري "كالعادة" بتكوين لجنة لتقصي الحقائق!! وقبل أن تنتهي اللجنة من عملها – الغير مرضي - نشاهد رئيس اللجنة مصطحبا ذلك المتهم في زياراته الرسمية، وكأنه يقول للجميع، "طز" فيكم!

قضية أخرى بدأ دوي أصداؤها في أحد العواصم العربية الشقيقة، وظهرت الأدلة والبراهين أمام الملأ وعلى صفحات الانترنت، وانتشرت انتشار النار في الهشيم، وتراسلها الشعب لاعتقادهم بأن موضوعها لا يحتاج إلى كثير من الوقت وكلهم ترقب لذلك العقاب الذي يريح القلوب، ويأنسون بـ "من أين لك هذا؟ ولما عملت هذا؟". الرد كان صاعقا ومفاجأة من العيار الثقيل ومخالفا لجميع التوقعات، بل وأثناء تأدية اللجنة مهام عملها التي لم تنتهي بعد: النزيه يعاقب، والمجرمون يرقون إلى مراتب وظيفية جديدة! وكأن هذا أسرع طريق للقفز بين المراتب الوظيفية. وعجيب الأمر وغريبه، هو أن تلك اللجنة المشكلة لذلك الموضوع ماتت قبل أن تولد، ولم نسمع عنها خبرا أو نعرف من هم بعضويتها، هذا إذا لم يتم "تجميد الموضوع" برمته!

براعم الوطن، أحدث الكوارث "الإدارية" والتي ما زال المجتمع يتداعى بالغصة والتساؤل لما حصل لضحاياه. "شُكلت العديد من اللجان" التي يفترض أن تكون باشرت أعمالها، ولكن لم يصدر عن تلك اللجان أي تصاريح أو تقارير رسمية منشورة، كل في مجال تخصصه، ليكون المجتمع على بينة بما حصل، والمتسببين في ذلك وعقوباتهم الإدارية منها والشرعية.

صور وفيديوهات موثقة للحوادث، وثائق ومستندات رسمية شاهدها الملايين، يجب أن تكون كفيلة ببث روح الأمل لنتوق إلى قرار "كف يد الموظف أو المسئول" حتى يصدر تقرير اللجنة المؤتمنة، وقرار آخر يعاقب ضحايا أخطاء المشرط، والناس المكنوزون في ثلاجات "الخضروات".

القاموس المحيط يفسر معنى اللجنة على أنها: الجماعة يجتمعون في الأمر "ويرضونه"؛ فمن الطبيعي بأن أغلب اللجان شُكلت من أجل التخدير فقط وليست لكشف الحقائق. البيّنات واضحة، والقرائن بارزة، والأسباب والدوافع معلومة، جميعها في كثير من الحالات لا تحتاج إلى تحقيق. تردد كثيرا - وما زال - هذا المصطلح "تشكيل لجنة"، لكن الغالبية منها، والأمينة منها، ليس لها نهاية، ولم نسمع أو نقرأ عن نتائجها، ونادراً ما تم اتخاذ قرارات بناء على توصياتها لخدمة الوطن ومعاقبة الظالمين.

يجب فرض وقت لبداية اللجان ونهايتها ونشر نتائجها احترما لعقليات المجتمع الذي أصبحت ناضج للتمييز في غمرة الإعلام الجديد. بل ومع سرد المسببات التي دفعت اللجنة لاتخاذ قراراتها. ولكن، عزاؤنا بأننا نبدأ سنة جديدة، تبدأ معها مكافحة الفساد عملها، رغم استمرارية المنتج السعودي الرائع (الفيفادول الإداري)، فكل عام وأنت يا وطني بخير، ويا بلادي واصلي.

الاثنين، 14 نوفمبر 2011

أين حقي




قصيدة "أين حقي" للشاعر محمد صالح ذات البحر المميز "بحر العلوم"، قرأتها كثيراً ورددتها أكثر، وتأملت حروفها طويلا، فكأن كل استشهادات المجتمع لا تخرج عن مضمون هذه القصيدة الرائعة. فيها إيجاز وإعجاز لقدمها الزمني ولتطابق الحقوق المطلوبة في وقتنا الحاضر. أحببت أن أنقلها لما تحتويه من أفكار اجتماعية رائعة، فإليكم القصيدة..

رحت أستفسر من عقلي وهل يدرك عقلي
محنة الكون التي استعصت على العالم قبلي
ألأجل الكون أسعى أنا أم يسعى لأجلى
وإذا كان لكل من فيه حق: أين حقي؟!

فأجاب العقل في لهجة شكاك محاذر
أنا في رأسك محفوف بأنواع المخاطر
تطلب العدل وقانون بنى جنسك جائر
إن يكن عدلا فسله عن لساني: أين حقي؟!

أنا ضيعت كما ضيعت جهدا في هباء
باحثا عن فكرة العدل بكد وعناء
وإذا بالناس ترجو العدل من حكم السماء
وسماء الناس كالناس تنادى: أين حقي ؟!

أتراني أرتئى ما يرتئيه الناسكونا
وأجارى منطقا يعتبر الشك يقينا
وأقر الوهم فيما يدعيه الوهم دين
أفسيعود العلم يدعوني بحق: أين حقي ؟!

إن أنا أذعنت للخلق وحاولت التعامي
كان شأني شأن من يطلب غيثا من جهام
فنظام الخلق لا يعرف وزنا لنظامي
ونظامي لم يزل يصرخ مثلى: أين حقي؟!

ما لبعض الناس لا يحسب للتفكير فضلا
ومتى ناقشته الرأي تعداك وولى
زاعما إبقاء ما كان على ما كان أولى
من جديد يعرف الواقع منه: أين حقي ؟!

ليتني أستطيع بعث الوعي في بعض الجماجم
لأريح البشر المخدوع من شر البهائم
وأصون الدين عما ينطوي تحت العمائم
من مآس تقتل الحق وتبكى: أين حقي؟!

يا ذئابا فتكت بالناس آلاف القرون
أتركينى أنا والدين فما أنت وديني
أمن الله قد استحصلت صكاً في شؤوني
وكتاب الله في الجامع يدعو: أين حقي؟!

أنت فسرت كتاب الله تفسير فساد
واتخذت الدين أحبولة لك واصطياد
فتلبست بثوب لم يفصل بسداد
وإذا بالثوب ينشق ويبدو: أين حقي؟!

بان هذا الثوب مشقوقا لأرباب البصائر
فاستعار القوم ما يستر سوءات السرائر
هو ثوب العنصريات وهذا غير ساتر
وصراخ الأكثريات تعالى: أين حقي؟!

كيف تبقى الأكثريات ترى هذى المهازل
يكدح الشعب بلا أجر لأفراد قلائل
وملايين الضحايا بين فلاح وعامل
لم يزل يصرعها الظلم ويدعو: أين حقي؟!

أمن القومية الحقة يشقى الكادحونا
ويعيش الانتهازيون فيها ناعمونا
والجماهير تعانى من أذى الجوع شجونا
والأصولية تستنكر شكوى: أين حقي؟!

حرروا الأمة إن كنتم دعاة صادقينا
من قيود الجهل تحريرا يصد الطامعينا
وأقيموا الوزن في تأمين حق العاملينا
ودعوا الكوخ ينادى القصر دوما: أين حقي؟!

يا قصورا لم تكن إلا بسعي الضعفاء
هذه الأكواخ فاضت من دماء البؤساء
وبنوك استحضروا الخمرة من هذى الدماء
فسلى الكأس يجبك الدم فيه: أين حقي ؟!

حاسبيني إن يكن ثمة ديوان حساب
كيف أهلوك تهادوا بين لهو وشراب
وتناسوا أن شعبا في شقاء وعذاب
يجذب الحسرة والحسرة تحكى: أين حقي؟!

كم فتى في الكوخ أجدى من أمير في القصور
قوته اليومي لا يزداد عن قرص صغير
ثلثاه من تراب والبقايا من شعير
وبباب الكوخ كلب الشيخ يدعو: أين حقي؟!

وفتاة لم تجد غير غبار الريح سترا
تخدم الحي ولا تملك من دنياه شبرا
وتود الموت كي تملك بعد الموت قبرا
واذا الحفار فوق القبر يدعو: أين حقي؟!

ما لهذى وسواها غير ميدان الدعارة
لتبيع العرض في أرذل أسواق التجارة
وإذا بالدين يرميها ثمانين حجارة
وإذا القاضي هو الجاني ويقضى: أين حقي؟!

أين كان الدين عنها عندما كانت عفيفة
ومتى قدر حقا لضعيف وضعيفة
ولماذا عدها زانية غير شريفة
الآن العرف لا يسمع منها: أين حقي؟!

كان من واجبه يمنحها عيش كفاف
قبل أن يضطرها تبتاع عيشا بعفاف
ولماذا أغلظ القاضي فيها وهو مناف
للنواميس ولا يسأل منها: أين حقي؟!

كم زنى القاضي وكم لاط بولدان وحور
واحتسى أوفر كؤوس من أباريق الفجور
أين كان الدين عن إجراء قاضيه الخطير
ولماذا لم يصارحه كسجان: أين حقي؟!

القاضي الدين تميز على حال الجماعة
أعليه الحكم لا يرى وان يأبى أتباعه
أقضاة الدين أدرى بأساليب الشفاعة
واذا الدين ارتضاها لم يطالب: أين حقي؟!

برياء ونفاق يخدعون الله جهرا
أين مكر الله ممن ملئوا العالم مكرا
إن صفا الأمر لهم لن يتركوا لله أمرا
وسيبقى الله مثلى مستغيثا: أين حقي؟!

ليس هذا الدين دين الله بل دين القضاة
لفقوه من أحاديث شياطين الرواة
وادعوا أم من الله نظام الطبقات
إن يكن حقا فقل لي يا إلهي: أين حقي؟!

ليس في وسعى أن أسكت عن هذى المآسي
وأرى الأعراف والأعراف من دون أسى
بين مغلوط صحيح وصحيح في التباس
وكلا العرفين لا يفهم منه: أين حقي؟!

خطأ شاع فكان العرف من هذا الشياع
صواب حكم العرف عليه بالضياع
وسواد الشعب مأخوذ بخبث وخداع
لقطيع يلحق الذئب وينعى: أين حقي؟!

ليس هذا الذنب ذنب الشعب بل ذنب الولاة
وجهوا الأمة توجيه فناء لا حياة
وتواصوا قبل أن تفنى بنهب التركات
واذا الحراس للبيت لصوص: أين حقي؟!

دولة يؤجر فيها كل أفاك عنيد
أجره لا عن جهود بل لتعطيل الجهود
لم يواجه نعمة الأمة إلا بالجحود
واذا النعمة تغلى في حشاه: أين حقي؟!

من فقير الشعب بالقوة تستوفى الضرائب
وهو لم يظفر بحق ويؤدى ألف واجب
فعليه الغرم والغنم لسراق المناصب
أيسمى مجرما إن صاح فيهم: أين حقي؟!

من حفاة الشعب والعارين تأليف الجنود
ليكونوا في اندلاع الحرب أخشاب وقود
وسراة الشعب لاهون بأقداح وغيد
وجمال الغيد يستوجب منهم: أين حقي؟!

عائشاً عيشة رهط لم يفكر بسواه
همه أن ينهب المال لإشباع هواه
أين من يفتح تحقيقا يرى عما جناه
ويريه بانتقام الشعب جهراً: أين حقي؟!

أيها العمال هبوا وارفعوا هذى البراقع
عن وجوه ما بها غير سحاب ومصانع
واصرفوها عن عيوب عميت عن كل دافع
وتراني صادقا عنها بقولي: أين حقي؟!

أيها العمال أين العدل من هذى الشرائع
أنتم الساعون والنفع لأرباب المصانع
وسعاة الناس أولى الناس في نيل المنافع
فليطالب كل ذي حق بوعي: أين حقي؟!

كيف يقوى المال أن يوجد في غير جهود
أين كان النقد لولا جهد صناع النقود
ومتى يقدر أن يخلق طيرا من حديد
فلهذا الجهد أن يدعو جهرا: أين حقي؟!

أين كان المال قبل الجهد أو قبل الطبيعة
وهما قد سبها في غابر العهد شروعه
واذا بالمال لا يذكر للعهد صنيعة
وإذا بالجهد يستجدى صهبانا: أين حقي؟!

لم يؤثر بيقيني ما أقاسي من شجون
فشجوني هي من أسباب تثبيت يقيني
ولتكن دنياي ما بين اعتقال وسجون
وليكن آخر أنفاسي منها: أين حقي؟


الأحد، 9 أكتوبر 2011

قتيلة الحائر ... وجهة نظر





لم يكن ولن يكون بالإمكان تغطية الشمس بغربال، ولم يعد يخفى على الناس ما يدور حولهم في مسألة القضاء، والكثير منهم ذاق وبال القضاء إما تجربة وأما مشاهدة أو سماعا بالأدلة الدامغة؛ لذا أصبح من الضروري أن نسأل أنفسنا بصوت عالٍ يخالجة نوع من الصدمات القهرية المتتالية ذات الصبغة الدينية والجلية على السطح الاجتماعي والظاهرة للعيان. المسائل الفقهية القائلة بـ "القاتل يقتل" و "الناس امام القضاء سواسية" أصبحت تتبخر يوما بعد يوم. ليس ذلك فحسب بل إن هناك فتيات يصفون قتيلات أزواجهم بشهداء الحب والتضحية.
أسئلة اجتماعية قضائية تدور في خلد المجتمع: هل نؤمن بنزاهة القضاء لدينا كما كان سابقا؟ هل نثق في القضاة المعينين؟ هل الواسطة والطائفية والمناطقية أيضا ضربت جهاز القضاء واختيار القضاة في مقتل؟ هل تمت سعودة القضاء ومشيخته وجنسنته ليكون الحكم الصادر ضد المتدين والمرأة مختلف؟ ما الذي فضل القضاة على خلق الله وجعلهم فوق المسائلة والتحقيق؟ وجعل لهم حرية وأفضلية اختيار أوقات للعمل؟ ثم هل فعلا نحكم بالشريعة الإسلامية؟!

"دليل"، ليست "القناة" التلفزيونية بل تلك "الفتاة" الضحية الجديدة ضمن قائمة المظلومات من القضاة (ليس القضاء). اعتاد الناس لقرون بسماع الجملة العدلية الشهيرة: "القاتل يقتل"، وكذلك: "دم القتيل ما يضيع"، لكن هذه المقولات المشهورة - خاصة الأولى- التي لها أساس قرآني واضح أخذت تتبخر وتذهب سدى، فالمجتمع يشاهد الجرائم البشعة ويسمع عنها، ثم تكون مفاجأته وصدمته عندما ينطق القاضي بحكمه، ولسان حالهم يقول: قاضياه، أين العدل؟!، وقاضيان في النار.
دليل، كانت أكثر من زوجة صالحة بكل المعاني الدينية والأخلاقية والمجتمعية والاقتصادية ... الخ. بل كانت أسيرة مطيعة كسائر نساء المجتمع الرجالي.

وجهة نظر...

كل تلك الأفضال على زوجها لم تواجه فحسب بالنكران، ولا القتل فحسب، وإنما قتلت غيلة من زوجها المدمن بعد أن كانت في أمان، وليست قتلة عادية، بل دهسا بسيارته التي كانت دليل تصرف عليها ولم تقدها. ذلك القاتل لم توقفه صيحات دليل - كإنسانة ذات خير عليه عوضا عنها كزوجته- واستنجادها وهي تحت عجلات مركبته. بل ليته تركها وذهب بعد أن وطأها بسيارته على الطريق بعد أن كان يطأها كزوجة على سريرها التي جعلته له هبة من مالها، بل دهسها مرارا ثم ترجل من سيارته ليربطها ويسحل جلدها الناعم الذي تنعم به لسنين، والطاهر بإذن الله، على الازفلت ليكون متأكدا من أن لا حياة لها ولا نفس يرهف بعد ذلك أبدا.
رباه... ما هذا الوحش؟!! بعد أن كانت زوجته له الفراش، لم يسعفه إلا أن يجعل منها فراشا لسيارته وعجلاته. بعد أن كانت له الغطاء، جعل منها الغطاء للطريق. بعد أن كانت له الأمان الاقتصادي والاجتماعي والأسري، قتلها بأمانها وثقتها فيه.

وجهة نظر...

كلمة القاضي كانت الأدهى والأمر، وجاءت بشرٍّ وأي شرّ، لا تبقي ولا تذر، ولوَّاحة للفتيات من البشر. فكان السجن والجلد هو ما أُقر، ورقبة القاتل لاذت بالمفر. عفوا حضرة القاضي الأشِر، ألكونها فتاة كان هذا الحكم؟! أهو تجديد لما حدث بقضية مطعون العيون بميل القضاة لفئة دون أخرى، للرجال دون النساء وللملتحين دون غيرهم؟!

وجهة نظر...

الداهية الأخرى كلمة وردت في تقرير قتيلة الحائر هزتني وأحدثت لي زلزالا مدويا، وجعلتني أفكر كثيرا قبل أن أستخدمها، جعلتني أبحث كثيرا عن مفهومها ومعناها ومدلولاتها لدى المجتمع قبل أن أنطق بها، بل جعلتني أصدر قاموسا خاصا بهذا المجتمع فحسب. كلمة صدرت من أخت "دليل" وهي تصف شعور القاتل تجاه القتيلة فتقول: "يحبها.. ولا شك في ذلك"!!!

خسئ الحاسدون وعميت أعينهم!! أحبه لها.. قتلها؟!.. أحبه لها.. دهسها مرارا وتكرارا؟! أحبه لها.. ربطها؟!! أذلك الحب من مرغ أنفها؟! وسحبها وجرجرها؟!

عفوا فتاة المجتمع الشرقي، الحماقة هي تلك الفتاة التي مازلت تؤمن بالقصص الخرافية وشعار "شهيدة الحب" و "من الحب ما قتل"، والتي تود أن تصنع - بسذاجة- من نفسها أسطورة لمثل تلك القصص؟! وتكون النتيجة للقاتل، سجن وجلد فقط.

لكن في نفس الوقت لا ألومك أيتها الفتاة الشرقية "السعودية"، فدائرة معرفتك بالآخرين لا تخرج عن أهلك وصديقاتك اللاتي لهن نفس فكرك وأيضا هؤلاء العجائز من حولك – حفظهم الله - الذين يرسخون في أذهانكم قصص الولاء والطاعة العمياء للرجال – رجال بالاسم فقط - حتى وإن أدى ذلك إلى القتل وخراب البيوت وضياع الأسر. تحمل أعباء الحياة العادية مع الزوج ضرب من ضروب المثل المشرف، لكن هناك فرق بين أعباء الحياة والصبر على الضرب والإهانة والاعتداء الوحشي. للأسف بأن ما تراه بعض الفتيات إهانة لا يراه السواد الأعظم منهن كذلك. لسوء الحظ فالمجتمع يضرب أروع الأمثلة لتلك المرأة المغلوب على أمرها والتي ضربت وأهينت من قبل زوجها من أجل أولادها، ويقولون تتحمل في سبيل العائلة و... الخ، فيصنعون منها "بنت الأجواد"، وترضى بذلك وتكون فخورة به لأن حجم طموحاتها جدا متدني. وهذه هي الصورة النمطية لكثير من المجتمعات العربية والسعودية خاصة. يكبر أبناؤها فينسون تضحياتها من أجلهم ويكونون نسخة من أبيهم لنسائهم، وهكذا دواليك. لا أقول بأن المجتمع الرجالي "التمساحي" هو السبب الوحيد، ولكن لأن تلك المرأة ترى أنها بطلة لتحمل تلك الإهانات وجائزتها حديث الناس عنها، وإن قتلت أو اغتيلت بسمتها تتصور نفسها شهيدة الحب وبطلة النساء في المجتمع، وتسمعين حديث قريناتها: رحمها الله فقد كانت جدا زوجة صالحة تحملت من أجل ....  فصنعوا منها أيضا أسطورة، لتسمعهن إحداهن فتود أنها هي!!
ليت تلك التضحيات باسم الحب تظهر جليا في أعين أزواجهم، ولكن هذا هو الشرق! والعقلية شرقية! مستعمري النساء أطراف النهار ومفترشوها/مفترسوها أناء الليل!

أيها القضاة.. لم تصبحوا مثارا للسخرية من طاش وغيره دون أفعالكم التي جعلت منكم أضحوكة للغرب والشرق قبل أن تجعل منكم منقصة ومثارا للسخرية والتهمة من مجتمعكم. ولعل الاستعانة بقضاة من الخارج أفضل وأطهر لأنهم يرون الناس كلهم بعين واحدة ومستوى واحد دون تمييز جنسي أو عنصري أو طائفي أو حتى ديني.

وأنت أيتها الفتاة الشرقية هلّا أفقتِ من أحلامك الوردية وعشتِ أيامك ونافستِ بشرف على مكانتك؟ لتستطيعِ أن تستردِ حقوقك، ولتجعلِ من القاضي أن يحترمكِ قبل أن يصدر أحكامه. والوزير أن يتذكركِ بدلا من تناسيك، وزوجك أن يحبك فعلا دون أن يقتلك؟! كم أتمنى ذلك للجميع.

وجهة نظر أخيرة ...

إن العدل بمفهومه العام لا يتعدى أن يكون إحدى نوعين: عدل مع النفس، وعدل القضاء. فعدل النفس خاص بوضع النفس في مكانها التي تستحقه وحفظ حقوقها وأداء لواجباتها دون المساس بكرامتها أو السماح للآخرين بالاعتداء عليها مع التكيف مع الشريك (الأزواج) بما لا يسمح بالتعدي تحت مسمى الطاعة والوصاية. وعدل القضاء خاص بانتزاع الحقوق من الآخرين وتطبيق الواجبات علينا. وعندما ينعدم العدل (عدل القضاء) وتنتفي القواعد التي جعلت من الناس "سواسية" أمام القضاء: "القاتل يقتل"، "وفي الجروح قصاص"، و"التعزير"، وأخيرا وأهمها: "لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها" إيماناً بـ "الناس كلهم سواسية أمام القضاء"؛ فإن الميزان الاجتماعي حتما سيتغير وسيصنع فئة ظالمة وأخرى مظلومة. ليأخذ المجتمع بعيدا عن ألفته ومحبته ويؤدي إلى أخذ كل ذي حق حقه "بيده"، دون سلطة دولة أو عدل قضاء أو حكمة شريعة، فتظهر التحالفات للحماية، وتسبح السفن في أنهار الدم فيكون الهرج والمرج. ثم تهب ريح الفتنة لتحرك أشرعة السفن فتكون النهاية إلى منحدر الهلاك. كل هذا كان بسبب قاض ظالم لا يحكم بشرع الله، ولا يرى الناس بعين سواء.







شاهد التقرير (فيديو) الخاص يقضية دليل "قتيلة الحائر".
http://www.youtube.com/watch?v=RIcRtM33sAo



أو اضغط هنا.



السبت، 8 أكتوبر 2011

المواطنة.. انتزاع الواجبات.. واغتصاب الحقوق!!


ذات يوم كنت أبحث عن "ملل" ليكون دافعا لي للخلود إلى النوم، فذهبت لأتابع القناة السعودية الأولى أو غصب واحد كما يحلو للكثير أن يسميها. وكان هناك تقرير - كالعادة مهنيته الصحفية ركيكة - يتحدث عن الوضع الميداني في المستشفيات الحكومية السعودية. شد نظري تلك الأم الشابة والمتعلمة التي ظهرت في التقرير تتحدث عن الخدمات الهائلة الموفرة! بينما طفلها "المرمي" في المستشفى ما زال ينتظر غطاء يدفئه من برد التكييف العالي.


أما بنعمة ربك فحدث، حكمة عظيمة ولها مدلولاتها التي تؤدي إلى استشعار النعم وشكر الواهب، لكن ذلك يجب أن لا يطغى على إظهار حقائق الإخفاق والفقر وقلة الخدمات وعدم توفر أبسط المتطلبات لتوفير الخدمات العامة والخاصة. وما حديث تلك الأم عن توفر كل شيء وسكوتها عن مصائب المستشفيات وكذلك عن ما تواجهه وطفلها من مشاكل وقلة خدمات إلا نوع من الإجحاف في حق الذات وخيانة الوطنية من خلال ذكر حقائق غير موجود، وهي بذلك لا تعطي المشورة لمن استشارها بطرح سؤاله (المذيع). وإن كان من واجبه إظهار الوجه الآخر من التقرير عن مساوئ المستشفى وطرح الأسئلة عن ذلك وترك الأم تتحدث بحرية مطلقة عن رأيها دون تلقينها أو فرض وصاية على حديثها أو كالعادة اغتصاب ذلك بمقص الرقيب.


نعم، المواطنة تقتضي أن تؤدى كامل الحقوق دون نقصان، وتقتضي الحديث خارجياً عن الوطن بفخر واعتزاز، وأن نكون له حائط صد ضد أي اعتداء، والوقوف جنبا إلى جنب في المحافل الدولية لرفعة شأنه، والحديث عن خيراته والفرص المتاحة فيه، وعن كل ما يجعل من الوطن شامخا بين الأمم. كل هذا دون الزيادة عن الواقع أو الكذب، متجنبين النقد أمام الدول الأخرى ومواطنوها. وقد قيل بأن لا تشكو همك لمن لا يملك حلولا لها، ولا تشكو ألم ضرسك للخباز.


في الوقت نفسه وفي المقابل وبين المواطنين فقط، نسأل عن حقوقنا بكل ما أوتينا من قوة القانون ومقابلة السلطان والحديث للمسئولين ورفع التظلمات. يجب أيجاد حقوقنا والحديث بصوت متزن ووضوح لا شبهة فيه عن نقص الخدمات، البيروقراطية المميتة، الفساد الإداري على أعلى المستويات، انحلال القضاء، شهداء الأخطاء الطبية، ونقص الأسرة والأدوية، دمار التعليم، اغتصاب حقوق المعلمين والمعلمات، ركاكة وتضارب معلومات المناهج، وفضائح المشاريع كأسعارها وتعثرها وتأخرها وهشاشتها، العطالة ونتائجها، الوظائف المسروقة بالآلاف، الواسطات، الفقر المدقع، التبرعات للخارج بالمليارات، القرارات الملكية الغير منفذة أو التي ليس لها أثر على أرض الواقع .... حتى نصل إلى آلية اختيار الوزراء المناطقية والعائلية.

يُصنف الوطن جمادا بمنطق الفيزياء، لكن المواطنة هي روحه الحية في عروقنا ودماؤنا والتي تطلب منا أداء الواجب تجاهها. مع الأخذ بعين الحق والاعتبار بأن المواطنة - روح الوطن - قد تجهل الكثير من حقوقنا، ومن حقها علينا إخبارها عن حقوقنا الغائبة أو المغيبة. والجلوس على طاولة مستديرة للمفاوضات معها لتطبيق القانون على الكل بمعيار واحد، والاقتصاص من العابثين والفاسدين أياً كانوا في مدة زمنية واضحة وسلطة قانون لا يقبل التأخير أو التحابي لأحد، وجعل الفاسدين عبرة لأنفسهم ولمن يعتبر. لينعم الجميع بحقوقهم الكاملة والغير منقوصة في ضل أداء واجباتهم بالكامل.