الأحد، 9 أكتوبر 2011

قتيلة الحائر ... وجهة نظر





لم يكن ولن يكون بالإمكان تغطية الشمس بغربال، ولم يعد يخفى على الناس ما يدور حولهم في مسألة القضاء، والكثير منهم ذاق وبال القضاء إما تجربة وأما مشاهدة أو سماعا بالأدلة الدامغة؛ لذا أصبح من الضروري أن نسأل أنفسنا بصوت عالٍ يخالجة نوع من الصدمات القهرية المتتالية ذات الصبغة الدينية والجلية على السطح الاجتماعي والظاهرة للعيان. المسائل الفقهية القائلة بـ "القاتل يقتل" و "الناس امام القضاء سواسية" أصبحت تتبخر يوما بعد يوم. ليس ذلك فحسب بل إن هناك فتيات يصفون قتيلات أزواجهم بشهداء الحب والتضحية.
أسئلة اجتماعية قضائية تدور في خلد المجتمع: هل نؤمن بنزاهة القضاء لدينا كما كان سابقا؟ هل نثق في القضاة المعينين؟ هل الواسطة والطائفية والمناطقية أيضا ضربت جهاز القضاء واختيار القضاة في مقتل؟ هل تمت سعودة القضاء ومشيخته وجنسنته ليكون الحكم الصادر ضد المتدين والمرأة مختلف؟ ما الذي فضل القضاة على خلق الله وجعلهم فوق المسائلة والتحقيق؟ وجعل لهم حرية وأفضلية اختيار أوقات للعمل؟ ثم هل فعلا نحكم بالشريعة الإسلامية؟!

"دليل"، ليست "القناة" التلفزيونية بل تلك "الفتاة" الضحية الجديدة ضمن قائمة المظلومات من القضاة (ليس القضاء). اعتاد الناس لقرون بسماع الجملة العدلية الشهيرة: "القاتل يقتل"، وكذلك: "دم القتيل ما يضيع"، لكن هذه المقولات المشهورة - خاصة الأولى- التي لها أساس قرآني واضح أخذت تتبخر وتذهب سدى، فالمجتمع يشاهد الجرائم البشعة ويسمع عنها، ثم تكون مفاجأته وصدمته عندما ينطق القاضي بحكمه، ولسان حالهم يقول: قاضياه، أين العدل؟!، وقاضيان في النار.
دليل، كانت أكثر من زوجة صالحة بكل المعاني الدينية والأخلاقية والمجتمعية والاقتصادية ... الخ. بل كانت أسيرة مطيعة كسائر نساء المجتمع الرجالي.

وجهة نظر...

كل تلك الأفضال على زوجها لم تواجه فحسب بالنكران، ولا القتل فحسب، وإنما قتلت غيلة من زوجها المدمن بعد أن كانت في أمان، وليست قتلة عادية، بل دهسا بسيارته التي كانت دليل تصرف عليها ولم تقدها. ذلك القاتل لم توقفه صيحات دليل - كإنسانة ذات خير عليه عوضا عنها كزوجته- واستنجادها وهي تحت عجلات مركبته. بل ليته تركها وذهب بعد أن وطأها بسيارته على الطريق بعد أن كان يطأها كزوجة على سريرها التي جعلته له هبة من مالها، بل دهسها مرارا ثم ترجل من سيارته ليربطها ويسحل جلدها الناعم الذي تنعم به لسنين، والطاهر بإذن الله، على الازفلت ليكون متأكدا من أن لا حياة لها ولا نفس يرهف بعد ذلك أبدا.
رباه... ما هذا الوحش؟!! بعد أن كانت زوجته له الفراش، لم يسعفه إلا أن يجعل منها فراشا لسيارته وعجلاته. بعد أن كانت له الغطاء، جعل منها الغطاء للطريق. بعد أن كانت له الأمان الاقتصادي والاجتماعي والأسري، قتلها بأمانها وثقتها فيه.

وجهة نظر...

كلمة القاضي كانت الأدهى والأمر، وجاءت بشرٍّ وأي شرّ، لا تبقي ولا تذر، ولوَّاحة للفتيات من البشر. فكان السجن والجلد هو ما أُقر، ورقبة القاتل لاذت بالمفر. عفوا حضرة القاضي الأشِر، ألكونها فتاة كان هذا الحكم؟! أهو تجديد لما حدث بقضية مطعون العيون بميل القضاة لفئة دون أخرى، للرجال دون النساء وللملتحين دون غيرهم؟!

وجهة نظر...

الداهية الأخرى كلمة وردت في تقرير قتيلة الحائر هزتني وأحدثت لي زلزالا مدويا، وجعلتني أفكر كثيرا قبل أن أستخدمها، جعلتني أبحث كثيرا عن مفهومها ومعناها ومدلولاتها لدى المجتمع قبل أن أنطق بها، بل جعلتني أصدر قاموسا خاصا بهذا المجتمع فحسب. كلمة صدرت من أخت "دليل" وهي تصف شعور القاتل تجاه القتيلة فتقول: "يحبها.. ولا شك في ذلك"!!!

خسئ الحاسدون وعميت أعينهم!! أحبه لها.. قتلها؟!.. أحبه لها.. دهسها مرارا وتكرارا؟! أحبه لها.. ربطها؟!! أذلك الحب من مرغ أنفها؟! وسحبها وجرجرها؟!

عفوا فتاة المجتمع الشرقي، الحماقة هي تلك الفتاة التي مازلت تؤمن بالقصص الخرافية وشعار "شهيدة الحب" و "من الحب ما قتل"، والتي تود أن تصنع - بسذاجة- من نفسها أسطورة لمثل تلك القصص؟! وتكون النتيجة للقاتل، سجن وجلد فقط.

لكن في نفس الوقت لا ألومك أيتها الفتاة الشرقية "السعودية"، فدائرة معرفتك بالآخرين لا تخرج عن أهلك وصديقاتك اللاتي لهن نفس فكرك وأيضا هؤلاء العجائز من حولك – حفظهم الله - الذين يرسخون في أذهانكم قصص الولاء والطاعة العمياء للرجال – رجال بالاسم فقط - حتى وإن أدى ذلك إلى القتل وخراب البيوت وضياع الأسر. تحمل أعباء الحياة العادية مع الزوج ضرب من ضروب المثل المشرف، لكن هناك فرق بين أعباء الحياة والصبر على الضرب والإهانة والاعتداء الوحشي. للأسف بأن ما تراه بعض الفتيات إهانة لا يراه السواد الأعظم منهن كذلك. لسوء الحظ فالمجتمع يضرب أروع الأمثلة لتلك المرأة المغلوب على أمرها والتي ضربت وأهينت من قبل زوجها من أجل أولادها، ويقولون تتحمل في سبيل العائلة و... الخ، فيصنعون منها "بنت الأجواد"، وترضى بذلك وتكون فخورة به لأن حجم طموحاتها جدا متدني. وهذه هي الصورة النمطية لكثير من المجتمعات العربية والسعودية خاصة. يكبر أبناؤها فينسون تضحياتها من أجلهم ويكونون نسخة من أبيهم لنسائهم، وهكذا دواليك. لا أقول بأن المجتمع الرجالي "التمساحي" هو السبب الوحيد، ولكن لأن تلك المرأة ترى أنها بطلة لتحمل تلك الإهانات وجائزتها حديث الناس عنها، وإن قتلت أو اغتيلت بسمتها تتصور نفسها شهيدة الحب وبطلة النساء في المجتمع، وتسمعين حديث قريناتها: رحمها الله فقد كانت جدا زوجة صالحة تحملت من أجل ....  فصنعوا منها أيضا أسطورة، لتسمعهن إحداهن فتود أنها هي!!
ليت تلك التضحيات باسم الحب تظهر جليا في أعين أزواجهم، ولكن هذا هو الشرق! والعقلية شرقية! مستعمري النساء أطراف النهار ومفترشوها/مفترسوها أناء الليل!

أيها القضاة.. لم تصبحوا مثارا للسخرية من طاش وغيره دون أفعالكم التي جعلت منكم أضحوكة للغرب والشرق قبل أن تجعل منكم منقصة ومثارا للسخرية والتهمة من مجتمعكم. ولعل الاستعانة بقضاة من الخارج أفضل وأطهر لأنهم يرون الناس كلهم بعين واحدة ومستوى واحد دون تمييز جنسي أو عنصري أو طائفي أو حتى ديني.

وأنت أيتها الفتاة الشرقية هلّا أفقتِ من أحلامك الوردية وعشتِ أيامك ونافستِ بشرف على مكانتك؟ لتستطيعِ أن تستردِ حقوقك، ولتجعلِ من القاضي أن يحترمكِ قبل أن يصدر أحكامه. والوزير أن يتذكركِ بدلا من تناسيك، وزوجك أن يحبك فعلا دون أن يقتلك؟! كم أتمنى ذلك للجميع.

وجهة نظر أخيرة ...

إن العدل بمفهومه العام لا يتعدى أن يكون إحدى نوعين: عدل مع النفس، وعدل القضاء. فعدل النفس خاص بوضع النفس في مكانها التي تستحقه وحفظ حقوقها وأداء لواجباتها دون المساس بكرامتها أو السماح للآخرين بالاعتداء عليها مع التكيف مع الشريك (الأزواج) بما لا يسمح بالتعدي تحت مسمى الطاعة والوصاية. وعدل القضاء خاص بانتزاع الحقوق من الآخرين وتطبيق الواجبات علينا. وعندما ينعدم العدل (عدل القضاء) وتنتفي القواعد التي جعلت من الناس "سواسية" أمام القضاء: "القاتل يقتل"، "وفي الجروح قصاص"، و"التعزير"، وأخيرا وأهمها: "لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها" إيماناً بـ "الناس كلهم سواسية أمام القضاء"؛ فإن الميزان الاجتماعي حتما سيتغير وسيصنع فئة ظالمة وأخرى مظلومة. ليأخذ المجتمع بعيدا عن ألفته ومحبته ويؤدي إلى أخذ كل ذي حق حقه "بيده"، دون سلطة دولة أو عدل قضاء أو حكمة شريعة، فتظهر التحالفات للحماية، وتسبح السفن في أنهار الدم فيكون الهرج والمرج. ثم تهب ريح الفتنة لتحرك أشرعة السفن فتكون النهاية إلى منحدر الهلاك. كل هذا كان بسبب قاض ظالم لا يحكم بشرع الله، ولا يرى الناس بعين سواء.







شاهد التقرير (فيديو) الخاص يقضية دليل "قتيلة الحائر".
http://www.youtube.com/watch?v=RIcRtM33sAo



أو اضغط هنا.



السبت، 8 أكتوبر 2011

المواطنة.. انتزاع الواجبات.. واغتصاب الحقوق!!


ذات يوم كنت أبحث عن "ملل" ليكون دافعا لي للخلود إلى النوم، فذهبت لأتابع القناة السعودية الأولى أو غصب واحد كما يحلو للكثير أن يسميها. وكان هناك تقرير - كالعادة مهنيته الصحفية ركيكة - يتحدث عن الوضع الميداني في المستشفيات الحكومية السعودية. شد نظري تلك الأم الشابة والمتعلمة التي ظهرت في التقرير تتحدث عن الخدمات الهائلة الموفرة! بينما طفلها "المرمي" في المستشفى ما زال ينتظر غطاء يدفئه من برد التكييف العالي.


أما بنعمة ربك فحدث، حكمة عظيمة ولها مدلولاتها التي تؤدي إلى استشعار النعم وشكر الواهب، لكن ذلك يجب أن لا يطغى على إظهار حقائق الإخفاق والفقر وقلة الخدمات وعدم توفر أبسط المتطلبات لتوفير الخدمات العامة والخاصة. وما حديث تلك الأم عن توفر كل شيء وسكوتها عن مصائب المستشفيات وكذلك عن ما تواجهه وطفلها من مشاكل وقلة خدمات إلا نوع من الإجحاف في حق الذات وخيانة الوطنية من خلال ذكر حقائق غير موجود، وهي بذلك لا تعطي المشورة لمن استشارها بطرح سؤاله (المذيع). وإن كان من واجبه إظهار الوجه الآخر من التقرير عن مساوئ المستشفى وطرح الأسئلة عن ذلك وترك الأم تتحدث بحرية مطلقة عن رأيها دون تلقينها أو فرض وصاية على حديثها أو كالعادة اغتصاب ذلك بمقص الرقيب.


نعم، المواطنة تقتضي أن تؤدى كامل الحقوق دون نقصان، وتقتضي الحديث خارجياً عن الوطن بفخر واعتزاز، وأن نكون له حائط صد ضد أي اعتداء، والوقوف جنبا إلى جنب في المحافل الدولية لرفعة شأنه، والحديث عن خيراته والفرص المتاحة فيه، وعن كل ما يجعل من الوطن شامخا بين الأمم. كل هذا دون الزيادة عن الواقع أو الكذب، متجنبين النقد أمام الدول الأخرى ومواطنوها. وقد قيل بأن لا تشكو همك لمن لا يملك حلولا لها، ولا تشكو ألم ضرسك للخباز.


في الوقت نفسه وفي المقابل وبين المواطنين فقط، نسأل عن حقوقنا بكل ما أوتينا من قوة القانون ومقابلة السلطان والحديث للمسئولين ورفع التظلمات. يجب أيجاد حقوقنا والحديث بصوت متزن ووضوح لا شبهة فيه عن نقص الخدمات، البيروقراطية المميتة، الفساد الإداري على أعلى المستويات، انحلال القضاء، شهداء الأخطاء الطبية، ونقص الأسرة والأدوية، دمار التعليم، اغتصاب حقوق المعلمين والمعلمات، ركاكة وتضارب معلومات المناهج، وفضائح المشاريع كأسعارها وتعثرها وتأخرها وهشاشتها، العطالة ونتائجها، الوظائف المسروقة بالآلاف، الواسطات، الفقر المدقع، التبرعات للخارج بالمليارات، القرارات الملكية الغير منفذة أو التي ليس لها أثر على أرض الواقع .... حتى نصل إلى آلية اختيار الوزراء المناطقية والعائلية.

يُصنف الوطن جمادا بمنطق الفيزياء، لكن المواطنة هي روحه الحية في عروقنا ودماؤنا والتي تطلب منا أداء الواجب تجاهها. مع الأخذ بعين الحق والاعتبار بأن المواطنة - روح الوطن - قد تجهل الكثير من حقوقنا، ومن حقها علينا إخبارها عن حقوقنا الغائبة أو المغيبة. والجلوس على طاولة مستديرة للمفاوضات معها لتطبيق القانون على الكل بمعيار واحد، والاقتصاص من العابثين والفاسدين أياً كانوا في مدة زمنية واضحة وسلطة قانون لا يقبل التأخير أو التحابي لأحد، وجعل الفاسدين عبرة لأنفسهم ولمن يعتبر. لينعم الجميع بحقوقهم الكاملة والغير منقوصة في ضل أداء واجباتهم بالكامل.