في مجتمعنا بدأ يتشكل جليا بأن المعنى المناسب للكلمة فيفادول هي "لجنة". وعليك القياس، فكما أن هناك فيفادول لنزلات البرد وتسكين الألم والصداع ... الخ، فإن الإداريين يستخدمونه في عملهم الإداري كثيرا. فلو استخدمنا هذا المعنى "فيفادول" لكانت هذه بعض النتائج: فيفادول تقصي الحقائق، فيفادول تحقيق، فيفادول دراسة جدوى، وفيفادول الخبراء.
فقط في مجتمعنا الإداري "بعد" حلول المصائب، الكوارث، الحرائق، الوفيات، الإحراجات، الفضائح وانكشاف المستور، إهانة المسئولين للمواطنين، ظهور الأدلة والبراهين للعامة... فإن الحل الأمثل والأسرع على الإطلاق هو "تشكيل لجنة"، ولجنة منبثقة، ولجنة فرعية، ولجنة لتحديد أعضاء اللجنة، ولجنة لدراسة رأي اللجنة، ولجنة... ولجنة... ولجنة... لجان يتم تشكيلها لكسب بدلات الانتداب وخارج دوام و... لكن كما قيل: أسمع قعقعة ولا أرى طحن. فأين تقارير تلك اللجان؟ أين أدلتها وبراهينها ومسببات القضية قبل أن نعرف رأي اللجنة؟
عندما يُقتل إنسان بسبب خطأ طبي، فالحل هو "تشكيل لجنة". وكأن جثة المقتول ليست خير الأدلة والبراهين على الجريمة. ثم يأتي رأي اللجنة – هذا إن صدر رأيها – بأن المقتول أبكم!! – لأنه لم يتحدث مع هذه اللجنة التي جاءت لتسمع من كافة الأطراف- وقد غص بشهقة أثناء العملية ومات!!. والخلاصة إرسال ورقة لذوية معنونة بـ: "أحر" التعازي، وما علموا بأن ذوي المقتول ماتوا "حرارة وحرقة" من ذلك السفاح صاحب المشرط!!
مواطن يطالب بحقوقه المشروعة منذ سنين، مرت عليه سمانها وعجافها، وطال انتظارها، فكانت "توكل على الله" بلغة الإهانة تلبية لتلك المطالب. وأمام الملأ، ومشاهدة الألوف المؤلفة من خلق الله خلف الشاشات لتلك الفيديوهات. ثم يأتي دور المسكن الإداري "كالعادة" بتكوين لجنة لتقصي الحقائق!! وقبل أن تنتهي اللجنة من عملها – الغير مرضي - نشاهد رئيس اللجنة مصطحبا ذلك المتهم في زياراته الرسمية، وكأنه يقول للجميع، "طز" فيكم!
قضية أخرى بدأ دوي أصداؤها في أحد العواصم العربية الشقيقة، وظهرت الأدلة والبراهين أمام الملأ وعلى صفحات الانترنت، وانتشرت انتشار النار في الهشيم، وتراسلها الشعب لاعتقادهم بأن موضوعها لا يحتاج إلى كثير من الوقت وكلهم ترقب لذلك العقاب الذي يريح القلوب، ويأنسون بـ "من أين لك هذا؟ ولما عملت هذا؟". الرد كان صاعقا ومفاجأة من العيار الثقيل ومخالفا لجميع التوقعات، بل وأثناء تأدية اللجنة مهام عملها التي لم تنتهي بعد: النزيه يعاقب، والمجرمون يرقون إلى مراتب وظيفية جديدة! وكأن هذا أسرع طريق للقفز بين المراتب الوظيفية. وعجيب الأمر وغريبه، هو أن تلك اللجنة المشكلة لذلك الموضوع ماتت قبل أن تولد، ولم نسمع عنها خبرا أو نعرف من هم بعضويتها، هذا إذا لم يتم "تجميد الموضوع" برمته!
براعم الوطن، أحدث الكوارث "الإدارية" والتي ما زال المجتمع يتداعى بالغصة والتساؤل لما حصل لضحاياه. "شُكلت العديد من اللجان" التي يفترض أن تكون باشرت أعمالها، ولكن لم يصدر عن تلك اللجان أي تصاريح أو تقارير رسمية منشورة، كل في مجال تخصصه، ليكون المجتمع على بينة بما حصل، والمتسببين في ذلك وعقوباتهم الإدارية منها والشرعية.
صور وفيديوهات موثقة للحوادث، وثائق ومستندات رسمية شاهدها الملايين، يجب أن تكون كفيلة ببث روح الأمل لنتوق إلى قرار "كف يد الموظف أو المسئول" حتى يصدر تقرير اللجنة المؤتمنة، وقرار آخر يعاقب ضحايا أخطاء المشرط، والناس المكنوزون في ثلاجات "الخضروات".
القاموس المحيط يفسر معنى اللجنة على أنها: الجماعة يجتمعون في الأمر "ويرضونه"؛ فمن الطبيعي بأن أغلب اللجان شُكلت من أجل التخدير فقط وليست لكشف الحقائق. البيّنات واضحة، والقرائن بارزة، والأسباب والدوافع معلومة، جميعها في كثير من الحالات لا تحتاج إلى تحقيق. تردد كثيرا - وما زال - هذا المصطلح "تشكيل لجنة"، لكن الغالبية منها، والأمينة منها، ليس لها نهاية، ولم نسمع أو نقرأ عن نتائجها، ونادراً ما تم اتخاذ قرارات بناء على توصياتها لخدمة الوطن ومعاقبة الظالمين.
يجب فرض وقت لبداية اللجان ونهايتها ونشر نتائجها احترما لعقليات المجتمع الذي أصبحت ناضج للتمييز في غمرة الإعلام الجديد. بل ومع سرد المسببات التي دفعت اللجنة لاتخاذ قراراتها. ولكن، عزاؤنا بأننا نبدأ سنة جديدة، تبدأ معها مكافحة الفساد عملها، رغم استمرارية المنتج السعودي الرائع (الفيفادول الإداري)، فكل عام وأنت يا وطني بخير، ويا بلادي واصلي.