السبت، 8 أكتوبر 2011

المواطنة.. انتزاع الواجبات.. واغتصاب الحقوق!!


ذات يوم كنت أبحث عن "ملل" ليكون دافعا لي للخلود إلى النوم، فذهبت لأتابع القناة السعودية الأولى أو غصب واحد كما يحلو للكثير أن يسميها. وكان هناك تقرير - كالعادة مهنيته الصحفية ركيكة - يتحدث عن الوضع الميداني في المستشفيات الحكومية السعودية. شد نظري تلك الأم الشابة والمتعلمة التي ظهرت في التقرير تتحدث عن الخدمات الهائلة الموفرة! بينما طفلها "المرمي" في المستشفى ما زال ينتظر غطاء يدفئه من برد التكييف العالي.


أما بنعمة ربك فحدث، حكمة عظيمة ولها مدلولاتها التي تؤدي إلى استشعار النعم وشكر الواهب، لكن ذلك يجب أن لا يطغى على إظهار حقائق الإخفاق والفقر وقلة الخدمات وعدم توفر أبسط المتطلبات لتوفير الخدمات العامة والخاصة. وما حديث تلك الأم عن توفر كل شيء وسكوتها عن مصائب المستشفيات وكذلك عن ما تواجهه وطفلها من مشاكل وقلة خدمات إلا نوع من الإجحاف في حق الذات وخيانة الوطنية من خلال ذكر حقائق غير موجود، وهي بذلك لا تعطي المشورة لمن استشارها بطرح سؤاله (المذيع). وإن كان من واجبه إظهار الوجه الآخر من التقرير عن مساوئ المستشفى وطرح الأسئلة عن ذلك وترك الأم تتحدث بحرية مطلقة عن رأيها دون تلقينها أو فرض وصاية على حديثها أو كالعادة اغتصاب ذلك بمقص الرقيب.


نعم، المواطنة تقتضي أن تؤدى كامل الحقوق دون نقصان، وتقتضي الحديث خارجياً عن الوطن بفخر واعتزاز، وأن نكون له حائط صد ضد أي اعتداء، والوقوف جنبا إلى جنب في المحافل الدولية لرفعة شأنه، والحديث عن خيراته والفرص المتاحة فيه، وعن كل ما يجعل من الوطن شامخا بين الأمم. كل هذا دون الزيادة عن الواقع أو الكذب، متجنبين النقد أمام الدول الأخرى ومواطنوها. وقد قيل بأن لا تشكو همك لمن لا يملك حلولا لها، ولا تشكو ألم ضرسك للخباز.


في الوقت نفسه وفي المقابل وبين المواطنين فقط، نسأل عن حقوقنا بكل ما أوتينا من قوة القانون ومقابلة السلطان والحديث للمسئولين ورفع التظلمات. يجب أيجاد حقوقنا والحديث بصوت متزن ووضوح لا شبهة فيه عن نقص الخدمات، البيروقراطية المميتة، الفساد الإداري على أعلى المستويات، انحلال القضاء، شهداء الأخطاء الطبية، ونقص الأسرة والأدوية، دمار التعليم، اغتصاب حقوق المعلمين والمعلمات، ركاكة وتضارب معلومات المناهج، وفضائح المشاريع كأسعارها وتعثرها وتأخرها وهشاشتها، العطالة ونتائجها، الوظائف المسروقة بالآلاف، الواسطات، الفقر المدقع، التبرعات للخارج بالمليارات، القرارات الملكية الغير منفذة أو التي ليس لها أثر على أرض الواقع .... حتى نصل إلى آلية اختيار الوزراء المناطقية والعائلية.

يُصنف الوطن جمادا بمنطق الفيزياء، لكن المواطنة هي روحه الحية في عروقنا ودماؤنا والتي تطلب منا أداء الواجب تجاهها. مع الأخذ بعين الحق والاعتبار بأن المواطنة - روح الوطن - قد تجهل الكثير من حقوقنا، ومن حقها علينا إخبارها عن حقوقنا الغائبة أو المغيبة. والجلوس على طاولة مستديرة للمفاوضات معها لتطبيق القانون على الكل بمعيار واحد، والاقتصاص من العابثين والفاسدين أياً كانوا في مدة زمنية واضحة وسلطة قانون لا يقبل التأخير أو التحابي لأحد، وجعل الفاسدين عبرة لأنفسهم ولمن يعتبر. لينعم الجميع بحقوقهم الكاملة والغير منقوصة في ضل أداء واجباتهم بالكامل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق